تُعد رسوم التخزين الإضافية (Storage Fees) أو ما يُعرف أحيانًا برسوم الأرضيات (Demurrage) من أبرز التكاليف غير المتوقعة التي قد تواجه المستوردين والمصدرين عند التعامل مع الموانئ أو المطارات. وهي رسوم تُفرض عندما تبقى الشحنة داخل الميناء أو المطار لفترة أطول من المسموح بها مجانًا، سواء في ساحات التخزين البحرية أو المخازن الجوية. ورغم أن فترة السماح المجانية قد تتراوح من بضعة أيام إلى أسبوع، إلا أن تجاوزها يؤدي إلى تراكم رسوم يومية تتصاعد تدريجيًا، مما قد يرفع من التكلفة الإجمالية للشحنة بشكل كبير.
عادة ما تُفرض هذه الرسوم كوسيلة لتعويض الميناء أو المطار عن إشغال المساحات التخزينية المحدودة، وكذلك لضمان انسيابية حركة البضائع وتفادي تكدّس الشحنات. فكلما طال زمن بقاء الشحنة دون تخليص أو استلام، زادت احتمالية تعطيل العمليات اللوجستية، خصوصًا في ظل الازدحام الذي تشهده الموانئ والمطارات الكبرى. ومن ثم، يصبح التخزين غير المبرر عبئًا على منظومة النقل بأكملها، ما يدفع السلطات لإلزام أصحاب البضائع برسوم إضافية رادعة.
تكمن خطورة هذه الرسوم في تأثيرها المباشر على تكاليف الشحن النهائية. فغالبًا ما يفاجأ المستورد بفاتورة مرتفعة لم تكن ضمن خطته المالية، خصوصًا إذا تراكمت الرسوم لعدة أيام أو أسابيع. وقد يجعل ذلك بعض الصفقات أقل ربحية أو حتى غير مجدية اقتصاديًا، خاصة للبضائع ذات الهامش الربحي المحدود.
من هنا تظهر أهمية التخطيط المسبق باعتباره الحل العملي لتجنب هذه الرسوم. فالإعداد الجيد لعملية الشحن – بدءًا من تجهيز المستندات الجمركية، مرورًا بالتنسيق مع الوكلاء، وصولًا إلى متابعة مواعيد السفن أو الطائرات – يضمن سرعة الإفراج عن البضائع وتقليل فترة بقائها داخل الميناء أو المطار. وبذلك لا يحافظ المستورد فقط على ميزانيته، بل يضمن أيضًا انسيابية أعماله التجارية دون تعطيل أو خسائر إضافية.
أسباب فرض رسوم التخزين الإضافية
رسوم التخزين الإضافية لا تُفرض بشكل عشوائي، وإنما هي نتيجة طبيعية لأسباب لوجستية وإدارية تحدث أثناء عملية الشحن والاستيراد. وفهم هذه الأسباب يُعد خطوة أساسية لتجنّبها والتقليل من تكاليف الاستيراد. وفيما يلي أبرز هذه الأسباب:
1. تأخير في تقديم المستندات الجمركية
يعدّ هذا السبب من أكثر العوامل شيوعًا. فعند وصول الشحنة إلى الميناء أو المطار، تحتاج سلطات الجمارك إلى الاطلاع على مستندات مثل الفاتورة التجارية، بوليصة الشحن، شهادة المنشأ، وقائمة التعبئة. أي تأخير في تجهيز أو تقديم هذه الأوراق يؤدي إلى تعطيل عملية التخليص الجمركي، وبالتالي بقاء الشحنة في ساحة التخزين لفترة أطول. هذا التأخير يُترجم تلقائيًا إلى رسوم تخزين إضافية قد تكون مرتفعة.
2. بطء في إجراءات التخليص الجمركي
حتى مع تقديم المستندات، قد تستغرق عملية المراجعة والتدقيق الجمركي وقتًا أطول من المتوقع، خاصة إذا كانت البضائع تحتاج إلى فحوصات إضافية أو تخضع لقوانين خاصة (مثل الأغذية، الأدوية، أو المواد الكيميائية). في هذه الحالة، تُترك الحاويات أو الطرود في المخازن حتى انتهاء جميع الإجراءات، وهو ما يؤدي إلى تراكم رسوم الأرضيات أو التخزين.
3. ازدحام الموانئ والمطارات
الازدحام يُعتبر أحد العوامل الهيكلية التي لا يتحكم فيها المستورد مباشرة. ففي مواسم الذروة أو أثناء الأزمات العالمية (مثل تعطل سلاسل التوريد أو ارتفاع حركة التجارة)، تتكدس أعداد هائلة من الشحنات، ما يُبطئ من عمليات التفريغ والتخليص. هذا التأخير الإجباري قد يؤدي إلى بقاء الشحنات في ساحة الميناء أو المطار لمدد أطول، وبالتالي فرض رسوم إضافية على أصحاب البضائع.
4. عدم التنسيق مع شركات الشحن أو الوكلاء الجمركيين
يلعب التنسيق المسبق مع شركة الشحن والوكيل الجمركي دورًا أساسيًا في تجنب الرسوم. فعلى سبيل المثال، إذا لم يتم تحديد موعد استلام الشحنة أو لم يتم إرسال تعليمات دقيقة للوكيل الجمركي، قد يحدث ارتباك يؤدي إلى تأجيل عملية التخليص أو الاستلام. هذا الارتباك البسيط كفيل بزيادة يوم أو يومين من رسوم التخزين، وهو ما قد يُحدث فرقًا ملحوظًا في التكاليف النهائية.
طرق تجنّب رسوم التخزين الإضافية في الموانئ والمطارات"
رسوم التخزين الإضافية تمثل عبئًا كبيرًا على الشركات والمستوردين، خصوصًا عند تأخر عملية الإفراج عن البضائع. لكن يمكن تفاديها عبر تطبيق استراتيجيات عملية تعتمد على التخطيط، التنسيق، والمتابعة المستمرة. فيما يلي شرح مستفيض لأهم هذه الاستراتيجيات:
التخطيط المسبق للشحنات
يلعب التخطيط المسبق للشحنات دور هام في تجنّب رسوم التخزين الإضافية في الموانئ والمطارات متمثلًا في:
- اختيار خط شحن أو رحلة طيران مناسبة:
تحديد وسيلة النقل والجدول الزمني الأمثل يسهم في تجنّب فترات الذروة التي تشهد ازدحامًا في الموانئ أو المطارات. على سبيل المثال، اختيار خطوط شحن ذات سمعة جيدة في الالتزام بالمواعيد يساعد في تقليل مخاطر التأخير.
- التأكد من جاهزية المستندات قبل وصول البضاعة:
تجهيز المستندات الأساسية مثل الفاتورة التجارية، بوليصة الشحن، شهادة المنشأ، وقائمة التعبئة قبل وصول الشحنة يضمن تسليمها مباشرة للجمارك دون تعطيل.
- تقدير الوقت المتوقع للإفراج الجمركي:
فهم المدة التي تستغرقها السلطات الجمركية عادة للتخليص يساعد في التخطيط المسبق لتقليل فترة بقاء الشحنة في المخازن.
2. أهمية المستندات الصحيحة والكاملة
دور الفاتورة التجارية وبوليصة الشحن:
هذه الوثائق هي الأساس الذي تستند إليه السلطات الجمركية في التحقق من قيمة ونوع البضائع، وأي خطأ فيها قد يؤدي إلى تعطيل كامل للشحنة.
مطابقة شهادة المنشأ والتراخيص الخاصة:
إذا كانت البضائع تخضع لاتفاقيات تجارية أو تراخيص خاصة (مثل الأغذية أو الأدوية)، فإن دقة هذه المستندات تسرّع الإفراج الجمركي.
تفادي الأخطاء في المستندات:
أخطاء بسيطة مثل عدم تطابق القيم بين الفاتورة وقائمة التعبئة قد تؤدي إلى رفض المستندات وإعادة تقديمها، ما يضاعف مدة التخزين ورسومه.
3. الاستعانة بالوكلاء الجمركيين (Customs Brokers)
إن الاستعانة بالوكلاء الجمركيين يسهل من عمليات التخليص الجمركي وبالتي يجنبك الكثير من رسوم التخزين الإضافية ويكون ذلك من خلال قيام الوكلاء الجمركيين بالآتي:
تسريع عملية التخليص:
الوكلاء الجمركيون لديهم خبرة في التعامل مع الأنظمة الجمركية الإلكترونية (مثل نظام الإفصاح المسبق)، ما يجعل عملية التخليص أسرع وأكثر دقة.
الإفصاح الإلكتروني:
يقدم الوكيل البيانات إلكترونيًا للجهات الجمركية قبل وصول البضائع، مما يتيح بدء عملية المراجعة مسبقًا وتقليل وقت الانتظار.
التنسيق مع السلطات الجمركية:
في حالة وجود أي إشكالية، يلعب الوكيل دور الوسيط لتسويتها بسرعة وتجنب تراكم الرسوم.
4. المتابعة المستمرة للشحنة
وتتمثل من خلال العناصر التالية:
استخدام أنظمة التتبع:
تتيح شركات الشحن الحديثة أنظمة إلكترونية لتتبع موقع الشحنة بدقة، مما يساعد المستورد على توقع وقت الوصول وتجهيز الإجراءات المسبقة.
التواصل المبكر مع المطار أو الميناء:
الاتصال مباشرة مع السلطات أو شركات المناولة بمجرد وصول الشحنة يسرّع من إجراءات الإفراج.
تجهيز وسائل النقل الداخلي مسبقًا:
عندما يتم الإفراج عن الشحنة، يجب أن تكون وسائل النقل جاهزة لنقلها فورًا، لتجنب بقاء البضائع في المخزن ودفع رسوم إضافية.
5. التفاوض على فترة السماح (Free Time)
فترة السماح هي عدد الأيام التي تُمنح مجانًا للمستورد لاستلام شحنته قبل فرض رسوم تخزين أو أرضيات.
يمكن التفاوض مع شركات الشحن أو وكلاء الملاحة للحصول على فترة سماح أطول، خاصة للشحنات الكبيرة أو العقود طويلة الأمد.
وعادة ما تكون فترة السماح في الموانئ البحرية أطول من المطارات، لكن التكدس البحري قد يجعل الاستفادة منها أقل ما لم يكن هناك تخطيط مسبق.
6. الاستفادة من الحلول اللوجستية البديلة
ويمكن الاستفادة من الحلول اللوجستية البديلة كما يلي:
النقل إلى مخازن خارجية:
بمجرد وصول الشحنة، يمكن نقلها إلى مستودعات خاصة أو تابعة للشركة بدلاً من بقائها في مخازن الميناء أو المطار حيث الرسوم أعلى.
استخدام المناطق الحرة:
المناطق الحرة توفر خيار تخزين البضائع لفترة أطول برسوم أقل، كما تمنح مرونة أكبر في إعادة التصدير أو توزيع البضائع.
الشحن متعدد الوسائط:
الجمع بين وسائل النقل (جوي-بري، بحري-بري) يساعد أحيانًا في تقليل فترات الانتظار والتكاليف، خصوصًا إذا كانت الموانئ أو المطارات الرئيسية مزدحمة.